الحق في حرمة المسكن في الشريعة الإسلامية

قبل التطرق إلى الحق في حرمة المسكن من منظور الشريعة الإسلامية، ارتأيت أن أتطرق إلى حرية المسكن وحرمته على سبيل التمهيد وهذا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدساتير الوضعية الحالية على سبيل المثال الدستور الحالي الجزائري والدستور المصري .
تتمثل حرية المسكن في انه يجوز لكل فرد أن يسكن في أي مكان بالدولة وان يبني له مسكنا يمتلكه ويأوي إليه ويحتمي به[1] .
تتمثل حرية المسكن في توفير الهدوء للأفراد بداخل مساكنهم فلا يجوز اقتحامه أو الدخول فيه دون استئذان ،كما لا يجوز التلصص والتجسس عليهم أو إقلاقهم ، وحرية المسكن هي نتيجة للحرية الشخصية [2].
والمسكن يصدق على كل مكان يأوي إليه الإنسان ويقيم فيه سواء عن طريق الملك أو الاستئجار أم هبة من المالك وسواء أكانت إقامة الشخص في المكان دائمة أم مؤقت أم عارضة[3] .
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 في مادته 12 على مايلي : لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات[4].
كما كفلت الدساتير المختلفة هذه الحرية وضمنت حرمتها والحفاظ عليها وأكدت على أن حرية المسكن وحرمته كسائر الحريات العامة ليست مطلقة وإنما ترد عليها قيود وتحدها حدود للمصلحة الجماعية وتحاط هذه الحدود بضمانات تكفل عدم إساءة استعمالها لأي سبب[5] .
فالدستور الجزائري الحالي نص في مادته 40 على ما يلي : تضمن الدولة عدم انتهاك حُرمة المسكن.
فلا تفتيش إلا بمقتضى القانون، وفي إطار احترامـه.
ولا تفتيش إلا بأمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية المختصة[6].
والإعلان الدستوري الأخير لجمهورية مصر العربية لا يبيح دخول المساكن أو تفتيشها إلا بأمر قضائي بل إن هذا الإعلان جعل انتهاك هذه الحرمة والاعتداء على هذه الحرية وغيرها من الحريات العامة تستلزم تعويضا عادلا للمعتدى عليه[7] ، فقد نص في المادة 17 على أن : كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم ، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء [8].
بطبيعة الحال كان السبق للشريعة الإسلامية في التطرق إلى حماية الحقوق الفردية للإنسان. ومن بينها الحق في حرمة المسكن وهو موضوع بحثنا والذي سنعالجه من خلال التطرق إلى :
1 – حق السكن وحرمة المسكن
2- حظر الاعتداء والتجسس على المسكن

المبحث الأول :حق السكن و حرمة المسكن
يتسم المنزل بحرمة معينة تجعل منه مكانا متميزا أولته الشريعة الإسلامية عناية خاصة من خلال
المطلب الأول : حق السكن
اوجب الإسلام على الدولة توفير السكن لجميه الأفراد فللقادر منهم أن يستقل بمسكنه ومن عجز فعلى الدولة تدبير السكن المناسب له [9].
وفي ذلك يقول الإمام ابن حزم : فرض على الأغنياء ومن أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك أن لم تقم الزكوات ، ولا فيء سائر أموال المسلمين ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه وفي اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ، وبمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة وبذلك يؤكد ابن حزم مسؤولية الدولة عن كفالة حق المأوى [10].
كما ورد في الفقه الإسلامي انه إذا كان هناك من لا يجد مأوى في حين أن بعض من الناس يملكون مسكنا يزيد في حاجتهم فعلى الحاكم إسكان هؤلاء جبرا على المالك .
ويشترط ابن حزم شروطا في المسكن هي أن يقي ساكنه المطر في الشتاء وحر الصيف وعيون المارة وفي ذلك محافظة على كرامة الفرد في بيته فهو موضع أسراره فلا يجوز أن يكون حيث تطلع عيون المارة على عوراته[11] .
المطلب الثاني : حرمة السكن
إذا وجد المأوى فلا يجوز لكائن من كان أن يقتحم هذا المأوى على صاحبه ويدخله إلا بإذنه ولو كان الخليفة نفسه وفي ذلك يقول تعالى 🙁 يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ، فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم .)[12]
فذلك أمر صريح بعدم دخول بيت أي إنسان إلا أن يؤذن له ، وهذا الأمر ملزم لكل أجنبي عن البيت ، حاكما كان أو فردا عاديا ولم يقف الإسلام عند هذا الحد بل انه كفل حرمة المسكن حتى بالنسبة للصغار والخدم مع أنهم من أهل البيت وذلك تقريرا لحسن الآداب [13]، يقول الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم[14] ) .
فقد راعى الله سبحانه وتعالى أن هناك أوقاتا يهجع فيها الناس التماسا للراحة فيتخففون من ملابسهم ، ولا يحبون أن يطلع عليهم احد وهم على هذه الحال ولو كانوا أولادهم أو خدمهم فأمر بوجوب الاستئذان في هذه الأوقات حفظا للكرامة وصونا للحياء .
وتقرير حرمة المسكن يشمل أيضا عدم الاستيلاء عليه أو هدمه جبرا على صاحبه فقد أمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإعادة جزء من بيت احد المصريين إليه كان عمر بن العاص وال مصر قد استولى عليه وضمه للمسجد كما فعل الخليفة عمر بن عبد العزيز مثل ذلك عندما أمر بإعادة منزل إلى مالكه ، وكان والي الشام قد استولى عليه وضمه إلى المسجد الأموي [15] .
المبحث الثاني : حظر الاعتداء والتجسس على المسكن
حظر الإسلام الاعتداء والتجسس والتلصص على المسكن لتتبع عورات الناس فقال الله تعالى : ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا [16].
ولا يباح التعدي على المسكن حتى ولو كان لتحقيق هدف مشروع فالوسيلة تأخذ حكم الغاية فإذا كانت الغاية مشروعة وجب أن تكون الوسيلة إليها مشروعة .
المطلب الأول: حظر الاعتداء على المسكن
لعل فيما فعله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله حين كان يعس بالمدينة من الليل ،. فسمع صوت رجل في بيت يتغنى ،. فتسور عليه ،. فوجد عنده امرأة ، وعنده خمرا ، فقال : يا عدو الله ، أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته ؟ فقال : وأنت يا أمير المؤمنين ،. إن أكن عصيت الله واحدة ،. فقد عصيت الله في ثلاث ،. قال تعالى : ولا تجسسوا .، وقد تجسست ،. وقال الله عز وجل : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ،. وقد تسورت علي ،. ودخلت علي من ظهر البيت بغير إذن ،. وقال الله عز وجل : لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ،. فقد دخلت بغير سلام قال عمر رضي الله عنه : فهل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال : نعم ، والله يا أمير المؤمنين ، لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبدا ، قال : فعفا عنه ، وخرج وتركه[17] ولعل في ذلك تأكيدا لحرمة المسكن .
والذي نراه أن الخليفة أهدر عقوبة الجاني لبطلان إجراءات الضبط وتسور حائط المنزل والدخول بغير استئذان وهي مخالفات لمبدأ الشرعية ترتب عليها إهدار العقوبة [18] .
ونفهم من ذلك أن الاستئذان المطلوب هنا هو استئذان صاحب البيت ،. وليس استئذان سلطة من السلطات ،. فالخليفة نفسه وهو من كان يمثل السلطات كلها هو الذي قام بإجراء قلم يكن محتاجا ليستأذن سلطة أخرى.
ويعلق الأستاذ العقاد على ذلك فيقول : إذا كان عمر يستحق الإشادة في هذا الموقف إذ صدع بالأمر ورجع فورا من توقيع العقاب حينما ووجه بنصوص القران التي لا تقف في صفه فإنما يستحق التقدير هو النظام الإسلامي الذي ألزم الخليفة باحترام حرية الناس في مساكنهم [19] .
المطلب الثاني : حظر التجسس على المسكن
لقد نفذ الإسلام إلى ابعد من ذلك احتراما لحرمة المسكن فلم يكتف برعايته من حيث عدم الاعتداء عليه و تحريم اقتحامه والدخول إليه بدون استئذان .
بل انه حرم محاولة التلصص واختلاس النظر من خلال فرجات الأبواب والمنافذ لهتك أسرار من في المنزل .
ذلك أن الحرية الشخصية عزيزة على الشارع الإسلامي وهو حريص على حمايتها وكفالتها [20] ، فقد ورد في سنن البيهقي وغيره عن انس بن مالك أن أعرابيا آتى النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقأ عينه فلا دية له ” .
فإلى هذا الحد يقدس الإسلام حرمة المسكن حتى انه يهدر القصاص والدية لمن اعتدى عليها .
ولقد كان من واجب المحتسب في الكوفة انه لم يترك مؤذنا يؤذن في منار. إلا معصوب العينين من اجل ديار الناس وحريمهم. كما منع المحتسب انتهاك حرمة البيوت. ومنع التجسس على الناس لكشف ما لم يظهر من المحظورات [21]
الخاتمــــــــة :
كما رأينا في هذا البحث الوجيز فان الإسلام قد اهتم بالحقوق والحريات الفردية. ومنها الحق في المسكن ومراعاته لحرمته وحض عليها حيث يكف العيش الكريم للناس جميعا مسلمين وغير مسلمين. واستلزم حدا أدنى للكفاية تلتزم به الدولة وتلزم به الأغنياء إذا لم تف أموالها .
هذا الاهتمام جاء في ضمان حق السكن أولا وبعده حماية حرمة هذا المسكن من اجل العيش الآمن والكريم وأحاطه بضمانات تعاقب كل معتدي عليه في المرتبة الأولى وتليها في المرتبة الثانية حظر التجسس لكشف عورات أصحاب المسكن ، ذلك وكما قلنا أن الحرية الشخصية عزيزة على الشارع الإسلامي وهو حريص على حمايتها وكفالتها ، فبهذا لا الدساتير الوضعية ولا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اهتما بالحقوق والحريات العامة للإنسان ومنها حق حرمة المسكن وحدها فقط بل إن الإسلام ومن خلال شريعته السمحاء كانت سباقة للنص عليها .
قائمة المراجع :
أولا : القران الكريم
ثانيا : الكتب
– بهي الدين حسين و محمد السيد سعيد، حقوقنا الآن وليس غدا، المواثيق الأساسية لحقوق الإنسان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بدون طبعة ، بدون تاريخ نشر –
– د عبد الكريم حسن العيلي ، الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام ، دراسة مقارنة ، دار الفكر العربي ، 1983 ، 1983 .
عباس محمود العقاد ، العبقريات الإسلامية ، المجلد الأول ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1984 –
د .عماد ملوخية ، الحريات العامة ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2010 –
– د . ثروت بدوي ، النظم السياسية ، الجزء الأول ، طبعة 1997
عباس محمود العقاد ، العبقريات الإسلامية ، المجلد الأول ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1984
ثالثا : المواقع الالكترونية :
– الإعلان الدستوري المصري لسنة 2011 ، موقع بوابة الحكومة المصرية ، تاريخ التصفح 23/11/2012
http://www.egypt.gov.eg/arabic/laws/constitution/default.aspx
– الدستور الجزائري ، موقع الجريدة الرسمية ، تاريخ التصفح ، 23/11/2012
http://www.joradp.dz/har/consti.htm
يمكنك قراءة أيضا حقوق الزوجة الناشز بعد الطلاق فى النفقة
[1] عماد ملوخية ، الحريات العامة ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ،د ط، 2010 ، ص 61
[2] نفس المرجع ، ص 61 .
[3] ثروت بدوي ، النظم السياسية ، الجزء الاول ، د ط، دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع ـ القاهرة ،1997،ص 326
[4] بهي الدين حسين و محمد السيد سعيد، حقوقنا الآن وليس غدا، المواثيق الأساسية لحقوق الإنسان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بدون طبعة ، بدون تاريخ نشر،ص 42
[5] د .عماد ملوخية ، المرجع السابق ، ص 62
[6] الدستور الجزائري ، موقع الجريدة الرسمية ، تاريخ التصفح ، 23/11/2012 http://www.joradp.dz/har/consti.htm ، د ص .
[7] د .عماد ملوخية ، المرجع السابق ، ص 61
[8] الإعلان الدستوري المصري لسنة 2011 ، موقع بوابة الحكومة المصرية ، تاريخ التصفح 23/11/2012
http://www.egypt.gov.eg/arabic/laws/constitution/default.aspx ، د ص .
[9] د عبد الكريم حسن العيلي ، الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام ، دراسة مقارنة ، دار الفكر العربي ، ، 1983 ، ص 371 .
[10] نفس المرجع ، ص 372
[11] نفس المرجع ، ص 372
[12] سورة النور ، الاية 27، 28
[13] د عبد الكريم حسن العيلي ، المرجع السابق ، ص 372
[14] سورة النور ، الاية 58
[15] د عبد الكريم حسن العيلي ، المرجع السابق ، ص 373
[16] سورة الحجرات ، الآية : 12
[17] عباس محمود العقاد ، العبقريات الإسلامية ، المجلد الأول ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1984 ، ص 514
[18] د عبد الكريم حسن العيلي ، المرجع السابق ، ص 374
[19] عباس محمود العقاد ، المرجع السابق ، ص 514وما بعدها
[20] د عبد الكريم حسن العيلي ، المرجع السابق ، ص 374
[21] نفس المرجع ، ص 375